من أجل إنتاجية أفضل أهمية رسم الأهداف
صفحة 1 من اصل 1
من أجل إنتاجية أفضل أهمية رسم الأهداف
من أجل إنتاجية أفضل أهمية رسم الأهداف
يعيش العالم المتقدم أزمة حضارة بسبب افتقاده الوجهة أو الهدف الأكبر الذي يجذب إليه جميع مناشط الحياة، ويمنحها المنطقية والانسجام. أما المسلمون فأزمتهم الأساسية، هي أزمة حركة في العالم، وأزمة شهود على العصر؛ فهم في أكثر الأحيان يتأثرون، ولا يؤثرون، ويأخذون من الحياة أكثر مما يعطونها؛ وذلك بسبب انخفاض إنتاجيتهم، وضعف إدارتهم لإمكاناتهم الشخصية والعامة.
نقرأ آيات الاستخلاف وشروط التمكين في الأرض، وأدبيات النجاح والفلاح، لكنَّ قليلين منا الذين يسألون أنفسهم عن وظيفتهم الشخصية في تحقيق كل ذلك!
إن الأماني الوردية حول قيادة أمتنا للعالم تداعب أخيلة الكثيرين منا، وتدغدغ مشاعرهم، لكن لا أحد يسأل عن آليات تحقيق ذلك، ولا عن الإمكانات المطلوبة للسير في طريقه!
إني أعتقد أن هناك حقيقة أساسية غائبة عن أذهان الكثيرين منا، هي أننا لا نستطيع أن نوجد مجتمعًا أقوى من مجموع أفراده؛ ولذا فإن النهوض بالأمة يقتضي على نحوٍ ما أن ينهض كل واحد منا على صعيده الشخصي، وما لم نفعل ذلك، فإن الغد لن يكون أفضل من اليوم.
إن رسم الأهداف نوع من مدِّ النظر في جوف المستقبل، وإن الله ــ جل وعلا ــ يحثنا على أن نتفكر في الآتي، ونعمل له : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون {الحشر: 18}.
إن المسلم الحق لا يكون إلا مستقبليًا، ولكننا بحاجة إلى أن نعمم روح الالتزام نحو الآخرة على مسلكنا العام تجاه كل ما يعنينا من شؤون وأحوال.
أهمية وجود هدف:
من الأدوات الأساسية في تحسين وضعية الفرد أن يكون له هدف يسعى إلى تحقيقه. ونرى أن حيوية وجود هدف واضح في حياتنا تنبع من اعتبارات عديدة، أهمها:
1 - إن كل ما حولنا في تغير دائم، والمعطيات التي تشكل المحيط الحيوي لوجودنا لا تكاد تستقر على حال، وهذا يجعل كل نجاح نحققه معرضًا للزوال؛ ووجود هدف أو أهداف في حياتنا، هو الذي يجعلنا نعرف على وجه التقريب ما العمل الذي سنعمله غدًا، كما أنه يساعد على أن نتحسس باستمرار الظروف والأوضاع المحيطة؛ مما يجعلنا في حالة دائمة من اليقظة، وفي حالة من الاقتدار على التكيف المطلوب.
وقد جرت عادة الكثيرين منا أن يسترخوا حين ينجزون عملاً متميزًا؛ مما يضعهم على بداية الطريق إلى أزمة تنتظرهم. ولذا فإن الرجل الناجح، هو الذي يسأل نفسه في فورة نجاحه عن الأعمال التي ينبغي أن يخطط لها، ويقوم بإنجازها؛ فالتخطيط هو الذي يجعل أهمية المرء تأتي قبل الحَدَث. أما معظم الناس فإنهم لا يفكرون إلا عند وجود أزمة، ولا يتحركون إلا حين تحيط بهم المشكلات من كل جانب، أي يستيقظون بعد وقوع الحدث، وبعد فوات الأوان!
2 - إن وعي كثيرين منا بــ (الزمن) ضعيف، ولذا فإن استخدامنا له في حل مشكلاتنا محدود. وحين يجتمع الناس برجل متفوق فإنهم يضعون بين يديه كل مشكلاتهم، ويطلبون لها حلولاً عاجلة متجاهلين عنصر (الزمن) في تكوينها وتراكمها، وطريقة الخلاص منها. ووجود هدف في حياة الواحد منا يجعل وعيه بالزمن أعظم، ويجعله يستخدمه في تغيير أوضاعه. إذا سأل كل واحد منا نفسه: ماذا بإمكانه أن يفعل تجاه جهله بعلم من العلوم - مثلاً - أو قضية من القضايا؟ فإنه يجد أنه في الوقت الحاضر لا يستطيع أن يفعل أي شيء يذكر تجاه ذلك. أما إذا سأل نفسه: ماذا يمكن أن يفعل تجاهه خلال خمس سنين؟ فإنه سيجد أنه يستطيع أن يفعل الكثير؛ وذلك بسبب وجود خطة، واستهداف للمعالجة، وهما دائمًا يقومان على عنصر الزمن. إني أعتقد أن كثيرًا من الخلل المنهجي في تصور أحوالنا، وحل أزماتنا، يعود إلى ضيق مساحة الرؤية، ومساحة الفعل معًا، وذلك كله بسبب فقد النظر البعيد المدى.
3 - إن كثيرًا من الناس يظهرون ارتباكًا عظيمًا في التعامل مع (اللحظة الحاضرة) وذلك بسبب أنهم لم يفكروا فيها قبل حضورها، فتتحول فرص الإنجاز والعطاء إلى فراغ قاتل ومفسد؛ وهذا يجعلنا نقول: إننا لا نستطيع أن نسيطر على الحاضر، ونضبط إيقاعه، ونستغل إمكاناته، إلا من خلال مجموعة من الآمال والأهداف والطموحات، وبهذا تكون وظيفة الهدف في حياتنا هي استثمار اللحظة الماثلة على أفضل وجه ممكن.
إني أتجرأ وأقول: إن ملامح خلاص جيلنا، والجيل القادم ــ على الأقل ــ من وهن التخلف والانكسار قد تبلورت في أمرين: المزيد من الالتزام بالمنهج الرباني، والمزيد من التفوق، ولا نستطيع أن نجعل هذين الأمرين حقيقة واقعة في حياتنا من غير تحديد أهداف واضحة.
سمات مطلوبة في الهدف:
1 - المشروعية:
إن مجمل أهداف المرء في الحياة، يعادل على نحو تام (استراتيجية) العمل لديه، ولذا فإن الذين لا يأبهون لشرعية الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها يحيون حياة مضطربة ممزقة، تختلط فيها عوامل البناء مع عوامل الهدم، وينسخ بعضُها بعضَها الآخر. إن الهدف غير المشروع، قد يساعد على تحقيق بعض النمو في جانب من جوانب الحياة، لكنه يحطّ من التوازن العام للشخصية، ويفجّر في داخلها صراعات مبهمة وعنيفة. وليس المقصود بشرعية الهدف أن يكون معدودًا في (المباحات) فحسب، وإنما المقصود أن يكون مندمجًا على نحو ما في الهدف الأسمى والأكبر الذي يحيا المسلم من أجله على هذه الأرض، ألا وهو الفوز برضوان الله - تبارك وتعالى - وهذا يعني أن الأهداف المرحلية والجزئية للواحد منا يجب ألا تتنافر معه في وضعيتها أو مفرزاتها أو نتائج تفاعلها. ولعل من علامات الانسجام بينها وبين الهدف الأكبر ــ شعور المرء أنه يحيا (حياة طيبة) وهي لا تولد من رحم الرخاء المادي، ولا من رحم التمتع بالجاه أو الاستحواذ على أكبر كمية من الأشياء، وإنما تولد من ماهية التوازن والانسجام بين المطالب الروحية والمادية للفرد، ومن التأنق الذي يشعر به من يؤدي واجباته.
الهدف المشروع عامل كبير في إيجاد التطابق بين رموزنا وخبراتنا، وهو إلى ذلك مولِّد لما نحتاجه من حماسة للمضي في الطريق إلى نهايته.
2 - الملاءمة:
لكل منا طاقاته وموارده المحدودة، وله ظروفه الخاصة، وله إلى جانب ذلك تطلعات وتشوُّفات؛ ومن الواضح اليوم أن الحضارة الحديثة أوجدت لدى الناس طموحات فوق ما هو متوفر من إمكانات لتلبيتها، وهذا يؤدي بكثير من الناس إلى أن يسلكوا طرقًا غير مشروعة لتلبيتها، أو يؤدي بهم إلى الشعور بالعجز والانحسار.
والهدف الملائم، هو ذلك الهدف الذي يتحدى ولا يعجز. ومعنى التحدي دائمًا: طلب تفجير طاقات كامنة أو استخدام موارد مهملة، لكنها جميعًا ممكنة. حين يكون الهدف سهلاً فإنه لا يؤدي إلى حشد إمكاناتنا الذاتية، ولا إلى تشغيل أجهزتنا النفسية والعقلية، كما لو أننا طلبنا من شخص أن يقرأ في كل يوم ربع ساعة، أو يستغفر عشر مرات.
في المقابل فإن الهدف الكبير جدًا يصد صاحبه عن العمل له، وفي هذا السياق نرى كثيرًا من أهل الخير، يشعرون بالإحباط، ويشكون دائمًا من سوء الأحوال، وتدهور الأوضاع، وهذا نابع من وجود هدف كبير لديهم هو (الصلاح العام) لكن ليس لديهم أهداف صغيرة، أو مرحلية تصب فيه. إن كل هدف صغير يقتطع جزءًا من الهدف الكبير، ويؤدي إلى قطع خطوة في الطريق الطويل؛ وعدم وجود أهداف صغيرة، يجعل الهدف النهائي يبدو دائمًا كبيرًا وبعيدًا، وهذا يسبب آلامًا نفسية مبرحة، ويجعل المرء يظهر دائمًا بمظهر الحائر العاجز. إنه لا يأتي بالأمل إلا العمل، وقليل دائم خير من كثير منقطع.
3 - المرونة:
إن أنشطة جميع البشر، تخضع لعدد من النظم المفتوحة، ومن ثم فإن النتائج التي نتطلع إلى الحصول عليها، تظل في دائرة التوقع والتخمين. حين يرسم الإنسان هدفًا، فإنه يرسمه على أساس من التقييم للعوامل الموجودة خارج طبيعة عمله، وخارج إرادته، وهذه العوامل كثيرًا ما يتم تقييمها على نحو خاطئ، كما أنها عرضة للتغير، بالإضافة إلى أن إمكاناتنا التي سوف نستخدمها في ذلك هي الأخرى متغيرة؛ ولهذا كله فإن الهدف يجب أن يكون (مرنًا)، أي: له حدود دنيا، وله حدود عليا؛ وذلك كأن يخطط أحدنا لأن يقرأ في اليوم ما بين ساعتين إلى أربع ساعات، أو يزور ثلاثة من الإخوة إلى خمسة وهكذا.. هذه المرونة تخفف من ضغط الأهداف علينا؛ فالناس يشعرون حيال كثير من أهدافهم أنها التزامات أكثر منها واجبات، والالتزام بحاجة دائمًا إلى درجة من الحرية، وسيكون من الضار بنا تحوُّل الأهداف إلى قيود صارمة، وحواجز منيعة في وجه تلبية رغبات شخصية كثيرة.
4 - الوضوح:
هذه السمة من السمات المهمة للهدف الجيد، حيث لا تكاد تخلو حياة أي إنسان من الرغبة في تحقيق بعض الأمور، لكن الملاحظ أن قلة قليلة من الناس، تملك أهدافًا واضحة ومحددة، ولذا فمن السهل أن يتهم الإنسان نفسه أو غيره بأنه لم يتقدم باتجاه أهدافه خطوة واحدة خلال عشرين سنة، مع أنك لا تراه خلال تلك المدة إلا منهمكًا ومتابعًا بما يعتقد أنه هدف يستحق العناء!
إنه يمكن القول بسهولة: إن كل هدف ليس معه معيار لقياسه وللكشف عما أنجز منه، وما بقي؛ ليس بهدف. ولذا فإن من يملك أهدافًا واضحة يحدثك دائمًا عن إنجازاته، وعن العقبات التي تواجهه. أما من لا يملك أهدافًا واضحة، فتجده مضطربًا، فتارة يحدثك أنه حقق الكثير الكثير، وتارة يحدثك عن خيبته وإخفاقه؛ إنه كمن يضرب في بيداء، تعتسفه السبل، وتشتته مفارق الطرق! نجد هذا بصورة أوضح لدى الجماعات؛ فالجماعة التي لا تملك أهدافًا واضحة محددة، تظل مشتتة الرأي في حجم ما أنجزته، ولا يكاد خمسة من أبنائها يتفقون في تقويمهم لذلك! لا يكفي أن يكون الهدف واضحًا، بل لا بد من تحديد توقيت لإنجازه، فالزمان ليس ملكًا لنا إلى ما لا نهاية، وطاقاتنا قابلة للنفاد. ثم إن القيمة الحقيقية للأهداف، لا تتبلور إلا من خلال الوقت الذي يستغرقه الوصول إليها، والجهد والتكاليف التي نحتاجها. ولهذا كله فالبديل عن وضوح الهدف، ووضوح تكاليفه المتنوعة، ليس سوى العبث والهدر والاستسلام للأماني الخادعة!
إن من أسباب ضبابية أهدافنا أننا لا نبذل جهدًا كافيًا في رسمها وتحديدها، وهذا لا يؤدي إلى انعدام إمكانية قياسها فحسب، وإنما يؤدي أيضًا إلى إدراكها بطريقة مبتذلة أو رتيبة، مما يُفقدها القدرة على توليد الطاقة المطلوبة لإنجازها.
سنعمل الكثير من أجل أهدافنا إذا أدركنا أنه عن طريقها تتم الصياغة النهائية لوجودنا.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
يعيش العالم المتقدم أزمة حضارة بسبب افتقاده الوجهة أو الهدف الأكبر الذي يجذب إليه جميع مناشط الحياة، ويمنحها المنطقية والانسجام. أما المسلمون فأزمتهم الأساسية، هي أزمة حركة في العالم، وأزمة شهود على العصر؛ فهم في أكثر الأحيان يتأثرون، ولا يؤثرون، ويأخذون من الحياة أكثر مما يعطونها؛ وذلك بسبب انخفاض إنتاجيتهم، وضعف إدارتهم لإمكاناتهم الشخصية والعامة.
نقرأ آيات الاستخلاف وشروط التمكين في الأرض، وأدبيات النجاح والفلاح، لكنَّ قليلين منا الذين يسألون أنفسهم عن وظيفتهم الشخصية في تحقيق كل ذلك!
إن الأماني الوردية حول قيادة أمتنا للعالم تداعب أخيلة الكثيرين منا، وتدغدغ مشاعرهم، لكن لا أحد يسأل عن آليات تحقيق ذلك، ولا عن الإمكانات المطلوبة للسير في طريقه!
إني أعتقد أن هناك حقيقة أساسية غائبة عن أذهان الكثيرين منا، هي أننا لا نستطيع أن نوجد مجتمعًا أقوى من مجموع أفراده؛ ولذا فإن النهوض بالأمة يقتضي على نحوٍ ما أن ينهض كل واحد منا على صعيده الشخصي، وما لم نفعل ذلك، فإن الغد لن يكون أفضل من اليوم.
إن رسم الأهداف نوع من مدِّ النظر في جوف المستقبل، وإن الله ــ جل وعلا ــ يحثنا على أن نتفكر في الآتي، ونعمل له : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون {الحشر: 18}.
إن المسلم الحق لا يكون إلا مستقبليًا، ولكننا بحاجة إلى أن نعمم روح الالتزام نحو الآخرة على مسلكنا العام تجاه كل ما يعنينا من شؤون وأحوال.
أهمية وجود هدف:
من الأدوات الأساسية في تحسين وضعية الفرد أن يكون له هدف يسعى إلى تحقيقه. ونرى أن حيوية وجود هدف واضح في حياتنا تنبع من اعتبارات عديدة، أهمها:
1 - إن كل ما حولنا في تغير دائم، والمعطيات التي تشكل المحيط الحيوي لوجودنا لا تكاد تستقر على حال، وهذا يجعل كل نجاح نحققه معرضًا للزوال؛ ووجود هدف أو أهداف في حياتنا، هو الذي يجعلنا نعرف على وجه التقريب ما العمل الذي سنعمله غدًا، كما أنه يساعد على أن نتحسس باستمرار الظروف والأوضاع المحيطة؛ مما يجعلنا في حالة دائمة من اليقظة، وفي حالة من الاقتدار على التكيف المطلوب.
وقد جرت عادة الكثيرين منا أن يسترخوا حين ينجزون عملاً متميزًا؛ مما يضعهم على بداية الطريق إلى أزمة تنتظرهم. ولذا فإن الرجل الناجح، هو الذي يسأل نفسه في فورة نجاحه عن الأعمال التي ينبغي أن يخطط لها، ويقوم بإنجازها؛ فالتخطيط هو الذي يجعل أهمية المرء تأتي قبل الحَدَث. أما معظم الناس فإنهم لا يفكرون إلا عند وجود أزمة، ولا يتحركون إلا حين تحيط بهم المشكلات من كل جانب، أي يستيقظون بعد وقوع الحدث، وبعد فوات الأوان!
2 - إن وعي كثيرين منا بــ (الزمن) ضعيف، ولذا فإن استخدامنا له في حل مشكلاتنا محدود. وحين يجتمع الناس برجل متفوق فإنهم يضعون بين يديه كل مشكلاتهم، ويطلبون لها حلولاً عاجلة متجاهلين عنصر (الزمن) في تكوينها وتراكمها، وطريقة الخلاص منها. ووجود هدف في حياة الواحد منا يجعل وعيه بالزمن أعظم، ويجعله يستخدمه في تغيير أوضاعه. إذا سأل كل واحد منا نفسه: ماذا بإمكانه أن يفعل تجاه جهله بعلم من العلوم - مثلاً - أو قضية من القضايا؟ فإنه يجد أنه في الوقت الحاضر لا يستطيع أن يفعل أي شيء يذكر تجاه ذلك. أما إذا سأل نفسه: ماذا يمكن أن يفعل تجاهه خلال خمس سنين؟ فإنه سيجد أنه يستطيع أن يفعل الكثير؛ وذلك بسبب وجود خطة، واستهداف للمعالجة، وهما دائمًا يقومان على عنصر الزمن. إني أعتقد أن كثيرًا من الخلل المنهجي في تصور أحوالنا، وحل أزماتنا، يعود إلى ضيق مساحة الرؤية، ومساحة الفعل معًا، وذلك كله بسبب فقد النظر البعيد المدى.
3 - إن كثيرًا من الناس يظهرون ارتباكًا عظيمًا في التعامل مع (اللحظة الحاضرة) وذلك بسبب أنهم لم يفكروا فيها قبل حضورها، فتتحول فرص الإنجاز والعطاء إلى فراغ قاتل ومفسد؛ وهذا يجعلنا نقول: إننا لا نستطيع أن نسيطر على الحاضر، ونضبط إيقاعه، ونستغل إمكاناته، إلا من خلال مجموعة من الآمال والأهداف والطموحات، وبهذا تكون وظيفة الهدف في حياتنا هي استثمار اللحظة الماثلة على أفضل وجه ممكن.
إني أتجرأ وأقول: إن ملامح خلاص جيلنا، والجيل القادم ــ على الأقل ــ من وهن التخلف والانكسار قد تبلورت في أمرين: المزيد من الالتزام بالمنهج الرباني، والمزيد من التفوق، ولا نستطيع أن نجعل هذين الأمرين حقيقة واقعة في حياتنا من غير تحديد أهداف واضحة.
سمات مطلوبة في الهدف:
1 - المشروعية:
إن مجمل أهداف المرء في الحياة، يعادل على نحو تام (استراتيجية) العمل لديه، ولذا فإن الذين لا يأبهون لشرعية الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها يحيون حياة مضطربة ممزقة، تختلط فيها عوامل البناء مع عوامل الهدم، وينسخ بعضُها بعضَها الآخر. إن الهدف غير المشروع، قد يساعد على تحقيق بعض النمو في جانب من جوانب الحياة، لكنه يحطّ من التوازن العام للشخصية، ويفجّر في داخلها صراعات مبهمة وعنيفة. وليس المقصود بشرعية الهدف أن يكون معدودًا في (المباحات) فحسب، وإنما المقصود أن يكون مندمجًا على نحو ما في الهدف الأسمى والأكبر الذي يحيا المسلم من أجله على هذه الأرض، ألا وهو الفوز برضوان الله - تبارك وتعالى - وهذا يعني أن الأهداف المرحلية والجزئية للواحد منا يجب ألا تتنافر معه في وضعيتها أو مفرزاتها أو نتائج تفاعلها. ولعل من علامات الانسجام بينها وبين الهدف الأكبر ــ شعور المرء أنه يحيا (حياة طيبة) وهي لا تولد من رحم الرخاء المادي، ولا من رحم التمتع بالجاه أو الاستحواذ على أكبر كمية من الأشياء، وإنما تولد من ماهية التوازن والانسجام بين المطالب الروحية والمادية للفرد، ومن التأنق الذي يشعر به من يؤدي واجباته.
الهدف المشروع عامل كبير في إيجاد التطابق بين رموزنا وخبراتنا، وهو إلى ذلك مولِّد لما نحتاجه من حماسة للمضي في الطريق إلى نهايته.
2 - الملاءمة:
لكل منا طاقاته وموارده المحدودة، وله ظروفه الخاصة، وله إلى جانب ذلك تطلعات وتشوُّفات؛ ومن الواضح اليوم أن الحضارة الحديثة أوجدت لدى الناس طموحات فوق ما هو متوفر من إمكانات لتلبيتها، وهذا يؤدي بكثير من الناس إلى أن يسلكوا طرقًا غير مشروعة لتلبيتها، أو يؤدي بهم إلى الشعور بالعجز والانحسار.
والهدف الملائم، هو ذلك الهدف الذي يتحدى ولا يعجز. ومعنى التحدي دائمًا: طلب تفجير طاقات كامنة أو استخدام موارد مهملة، لكنها جميعًا ممكنة. حين يكون الهدف سهلاً فإنه لا يؤدي إلى حشد إمكاناتنا الذاتية، ولا إلى تشغيل أجهزتنا النفسية والعقلية، كما لو أننا طلبنا من شخص أن يقرأ في كل يوم ربع ساعة، أو يستغفر عشر مرات.
في المقابل فإن الهدف الكبير جدًا يصد صاحبه عن العمل له، وفي هذا السياق نرى كثيرًا من أهل الخير، يشعرون بالإحباط، ويشكون دائمًا من سوء الأحوال، وتدهور الأوضاع، وهذا نابع من وجود هدف كبير لديهم هو (الصلاح العام) لكن ليس لديهم أهداف صغيرة، أو مرحلية تصب فيه. إن كل هدف صغير يقتطع جزءًا من الهدف الكبير، ويؤدي إلى قطع خطوة في الطريق الطويل؛ وعدم وجود أهداف صغيرة، يجعل الهدف النهائي يبدو دائمًا كبيرًا وبعيدًا، وهذا يسبب آلامًا نفسية مبرحة، ويجعل المرء يظهر دائمًا بمظهر الحائر العاجز. إنه لا يأتي بالأمل إلا العمل، وقليل دائم خير من كثير منقطع.
3 - المرونة:
إن أنشطة جميع البشر، تخضع لعدد من النظم المفتوحة، ومن ثم فإن النتائج التي نتطلع إلى الحصول عليها، تظل في دائرة التوقع والتخمين. حين يرسم الإنسان هدفًا، فإنه يرسمه على أساس من التقييم للعوامل الموجودة خارج طبيعة عمله، وخارج إرادته، وهذه العوامل كثيرًا ما يتم تقييمها على نحو خاطئ، كما أنها عرضة للتغير، بالإضافة إلى أن إمكاناتنا التي سوف نستخدمها في ذلك هي الأخرى متغيرة؛ ولهذا كله فإن الهدف يجب أن يكون (مرنًا)، أي: له حدود دنيا، وله حدود عليا؛ وذلك كأن يخطط أحدنا لأن يقرأ في اليوم ما بين ساعتين إلى أربع ساعات، أو يزور ثلاثة من الإخوة إلى خمسة وهكذا.. هذه المرونة تخفف من ضغط الأهداف علينا؛ فالناس يشعرون حيال كثير من أهدافهم أنها التزامات أكثر منها واجبات، والالتزام بحاجة دائمًا إلى درجة من الحرية، وسيكون من الضار بنا تحوُّل الأهداف إلى قيود صارمة، وحواجز منيعة في وجه تلبية رغبات شخصية كثيرة.
4 - الوضوح:
هذه السمة من السمات المهمة للهدف الجيد، حيث لا تكاد تخلو حياة أي إنسان من الرغبة في تحقيق بعض الأمور، لكن الملاحظ أن قلة قليلة من الناس، تملك أهدافًا واضحة ومحددة، ولذا فمن السهل أن يتهم الإنسان نفسه أو غيره بأنه لم يتقدم باتجاه أهدافه خطوة واحدة خلال عشرين سنة، مع أنك لا تراه خلال تلك المدة إلا منهمكًا ومتابعًا بما يعتقد أنه هدف يستحق العناء!
إنه يمكن القول بسهولة: إن كل هدف ليس معه معيار لقياسه وللكشف عما أنجز منه، وما بقي؛ ليس بهدف. ولذا فإن من يملك أهدافًا واضحة يحدثك دائمًا عن إنجازاته، وعن العقبات التي تواجهه. أما من لا يملك أهدافًا واضحة، فتجده مضطربًا، فتارة يحدثك أنه حقق الكثير الكثير، وتارة يحدثك عن خيبته وإخفاقه؛ إنه كمن يضرب في بيداء، تعتسفه السبل، وتشتته مفارق الطرق! نجد هذا بصورة أوضح لدى الجماعات؛ فالجماعة التي لا تملك أهدافًا واضحة محددة، تظل مشتتة الرأي في حجم ما أنجزته، ولا يكاد خمسة من أبنائها يتفقون في تقويمهم لذلك! لا يكفي أن يكون الهدف واضحًا، بل لا بد من تحديد توقيت لإنجازه، فالزمان ليس ملكًا لنا إلى ما لا نهاية، وطاقاتنا قابلة للنفاد. ثم إن القيمة الحقيقية للأهداف، لا تتبلور إلا من خلال الوقت الذي يستغرقه الوصول إليها، والجهد والتكاليف التي نحتاجها. ولهذا كله فالبديل عن وضوح الهدف، ووضوح تكاليفه المتنوعة، ليس سوى العبث والهدر والاستسلام للأماني الخادعة!
إن من أسباب ضبابية أهدافنا أننا لا نبذل جهدًا كافيًا في رسمها وتحديدها، وهذا لا يؤدي إلى انعدام إمكانية قياسها فحسب، وإنما يؤدي أيضًا إلى إدراكها بطريقة مبتذلة أو رتيبة، مما يُفقدها القدرة على توليد الطاقة المطلوبة لإنجازها.
سنعمل الكثير من أجل أهدافنا إذا أدركنا أنه عن طريقها تتم الصياغة النهائية لوجودنا.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
مواضيع مماثلة
» تبادل أفضل الممارسات
» أفضل طُرق التسويق
» شكل الأهداف الابتكارية
» يتعلم البالغون بشكل أفضل عند:
» تطوير الأهداف الابتكارية
» أفضل طُرق التسويق
» شكل الأهداف الابتكارية
» يتعلم البالغون بشكل أفضل عند:
» تطوير الأهداف الابتكارية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى